تأسست جامعة القدس قبل عقدين من الزمن بوصفها الجامعة الفلسطينيّة الوحيدة في القدس، وبرؤية تَعتبِر أنّ المواطنين المتعلمين المستنيرين، هم الذين يمكنهم حماية مستقبل شعبنا فقط. لقد كان التعليم – حقيقةً - مفتاح صمودنا، باعتبارنا شعبًا يناضل من أجل الحرية وتقرير المصير. وبما أنّ جامعتنا أصبحت اليوم من أرفع  الجامعات في فلسطين، فإنّه بوسعنا المباهاة، إذ لدينا (15)كليةً و (29)معهدًا ومركزًا، من بينها كلية الطبّ الأولى في فلسطين، ومركز البحوث الأول لتقنيّة النانو، ومعهد دراسات القدس الذي يمنح درجة ماجستير فريدة من نوعها، وهي: تختص بالمدينة القديمة، والكلية الشرفيّة المبتكرة (بارد)- القدس للآداب والعلوم، التي تجمع بين أفضل التقاليد الأكاديميّة الأمريكيّة والفلسطينيّة.

جئتُ جامعةَ القدس أوّل مرة طالبًا منذ أكثر من (30)عامًا، إذ شكّلت هذه الجامعة عقلي وقيمي، وغرست فيَّ إيمانًا بأنّ التعليم والحرية يسيران معًا جنبًا إلى جنب. وقد عملت في جامعة القدس مديرًا للعلاقات العامة، ونائبًا لرئيس الجامعة للشؤون الإداريّة والماليّة، ورئيسًا لدائرة العلوم السياسيّة، ونائبًا تنفيذيًّا لرئيس الجامعة في الآونة الأخيرة. وإنّه لشرف عظيم لي، أن أعمل رئيسًا لجامعة أضافتْ لي وللشعب الفلسطينيّ الكثير.

سأبني أثناء خدمتي رئيسًا للجامعة، على الإرث المتميز للبروفيسور سري نسيبة، الذي لم يطور الجامعة فحسب، وإنّما صاغ قيمها أيضا. لقد قاد الجامعة على مدى (20)عامًا خلال واحدة من أصعب المراحل  في التاريخ الفلسطينيّ. إنّنا مدينون بالفضل لرؤيته الخاصة بمؤسسة قوية ومستقلة، تسعى دون كلل لتكون رائدة في مجال التعليم العالي في المنطقة.

تطورت جامعتنا إلى حدّ كبير في السنوات العشرين الماضية، إذ يبلغ الآن عدد طلاب الدرجة الجامعية الأولى، وطلاب الدراسات العليا في جامعتنا نحو (12,000)طالبٍ. ويكمن وراء هذا النمو والتطور العظيمن لجامعتنا مجموعة أساسيّة من القيم التي أعتقد أنّها ستستمر في إنارة طريقنا لسنوات عديدة قادمة. وفي مقدمة هذه القيم إيماننا بقدسيّة الحرية، واندفاعنا بلا هوادة للابتكار، والتزامنا بالتميز في مجاليّ الأكاديميات والبحوث.

    ولعل قيمة الحرية لا تُقَدّر حقّ قَدْرها إلا عند فقدانها. فقد يكون لدينا نحن – الفلسطينيين -  تقدير حقيقيّ وعميق للحرية، أكبر مما لدى غالبية شعوب الأرض. إذ أدركنا من خلال المعاناة الشديدة، والخسارة، ومن خلال الكفاح والألم، ما يمكن أنْ يفقده البشر إنْ سُلبت حريتهم. هي الحرية، التي تمكّن البشر من أنْ يكونوا حقا  لِمَا وُلدوا ليكونوا عليه، وتمكّنهم من خلق إمكانيات جديدة، وأنْ ينموا ويزدهروا.

   هذا هو ما تمثله جامعة القدس، الحرية في تحقيق كلّ ما يمكن للمرء أنْ يحققه، وهذا هو ما نريد لجامعتنا أنْ تعنيه لجميع أعضاء هيئتنا التدريسيّة، وموظفينا، وطلابنا، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نسعى جاهدين لخلق بيئة تعزز حرية الفكر والتعبير.

   تسير حرية الفكر جنبا إلى جنب مع حرية التعبير، إذ لا تزدهر إحداهما دون الأخرى. فنحن نشجع طلابنا على التعبير عن آرائهم، وخوض نقاشات حول القضايا التي تهمهم، وندرك دائما بأنّه علينا تسليحهم بأساس راسخ يتعلق بحقوق المواطنين وواجباتهم، واحترام القوانين والأنظمة، وحرمة الفرد، والأهم من ذلك أيضا حدود الحرية.

وتقترن نعمة الحرية بمسؤولية كبيرة. ففي حين أنّنا نشجع أعضاء مجتمعنا الجامعيّ على التعبير عن معتقداتهم، فإننا في الوقت نفسه، نصر على خلق مناخ من الاحترام المتبادل، لا مكان فيه لأعمال العُنف والتهديد.

وتمنحنا الحرية المساحة اللازمة للابتكار. وتمنحنا روح الابتكار التي لدينا الشجاعة لتجربة ما لم يتحقق بعد، وللبقاء منفتحين على أساليب جديدة للتفكير والعمل، ولنكون في حوار دائم مع محيطنا المتغير باستمرار، سواء بسبب التحديات دائمة التطور التي نواجهها، أو بسبب رغبة أجيالنا الشابة في التغيير. لقد غذى  اندفاعنا إلى الابتكار نمونا وتطورنا، إلا أنّ التزامنا بتعليم طلابنا وبالتفوق الأكاديميّ، هو ما يوجه طاقتنا وتطورنا. ولا نزال ملتزمين بأملنا المقدس في مستقبلنا، هذا الأمل المتمثل في شبابنا. إنّ آمالنا في وطننا مُعلقة عليهم  حقا، وعلى ما يمكن أن نوفره لهم من فرص لينموا أفرادًا ومواطنين. هذا هو السبب الذي يدفعنا لأن نوفر لهم أشمل تجربة ممكنة، تستند إلى تعليم متحرر للفنون، ومعزز لإدراك التاريخ، وللتفكير النقدي، وللمشاركة المدنية، وللفكر السياسي، وللمساواة، وللفنون الجميلة، ولحرمة الفرد، وللمسؤوليّة الاجتماعيّة وللعدالة. والأهم من ذلك، الإيمان بمستقبل شعبنا ووطننا.

ونحن نوفر جوّا من الحرية ونشجع الابتكار، حتى نتمكن من تحقيق التميّز في الأكاديميات والبحوث، ونفخر بأن لدينا إنتاجيّة بحثيّة للفرد، هي الأعلى من أيّ جامعة أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسوف نسعى جاهدين لنبقى روادًا في إنتاج المعرفة. ونقوم حاليا بإصلاح قدرتنا الأكاديميّة من أجل تحسين إعداد الطلاب لتلبية احتياجات المجتمع والقطاع الخاص، ومن خلال منحهم الأدوات اللازمة للتفكير التحليليّ والنقدي ّوالقدرة على التواصل بفعالية.

اسمحوا لي أن أؤكد على ثلاث مبادرات من شأنها تعزيز هذا الهدف. أولها: أنّنا قمنا بإعداد مساق حول "اللغة والتفكير" وإدراجه ضمن المقررات المطلوبة لجميع طلبة المرحلة الجامعيّة الأولى في جامعة القدس. صُمّم هذا المساق لإكساب الطلاب مهارات التفكير والاتصال الجامعية. كما أنّنا نقوم بتعزيز متطلبات إجادة اللغة الإنجليزية لجميع الطلاب، بُغية تسهيل حصولهم على فرص البحث والتبادل المعرفيّ، وإعداد أولئك الذين يرغبون بالالتحاق بالدراسات العليا. وأخيرا، سنبدأ في هذا العام بتطبيق نظام الدراسة المزدوج، الذي يجمع بين النظريّة، من خلال الحصص الدراسيّة، والخبرة في عالم العمل. فمن خلال التواصل مع أصحاب العمل، سنقوم بدمج الدراسة الأكاديميّة بالقدرة العمليّة، وضمان تمكُّن طلبتنا من التطبيق الفوري للمعارف التي اكتسبوها في الصفوف الدراسية، وذلك لتحقيق الإنجاز في الحقول التي اختاروها. ومن خلال هذا البرنامج، سيكتسب الطلاب مهارات عملية قيمة، وبذلك تشارك جامعة القدس في تعزيز الاقتصاد الفلسطينيّ.

ما من شك فيه أنّ المستقبل يطرح أمامنا تحديات جديدة وصعبة، إلا إنّني على يقين، بأنّنا سوف ننبري لمواجهتها. كما أنّ لدي إيمان مطلق بهيئة التدريس والموظفين والطلاب، وأتطلع إلى العمل مع أعضاء جامعتنا جميعا، للوصول إلى أهدافنا المتمثلة في التميُّز في التعليم، والإنجاز الحقيقيّ للحرية.

أ.د. عماد أبو كشك
رئيس جامعة القدس

 

تأسست جامعة القدس، وهي جامعة فلسطينية، في العام 1984. يقع الحرم الرئيسي للجامعة في مدينة أبو ديس، وهناك أربعة مواقع أخرى متمركزة في مدينة القدس، في الشيخ جراح وبيت حنينا ورام الله (البيرة). إن جامعة القدس، الحرم الرئيسي في  أبو ديس، هي الجامعة الوحيدة في العالم التي يحيطها جدار الفاصل العنصري.

جامعة القدس - الحرم الرئيس - ابو ديس. ص.ب. 89